1 عذرآ ...معلمتي الخميس يونيو 16, 2011 12:53 am
بياض الثلج
المشرفةعذراً .. معلّمتي |
دخلَت قاعة الامتحان ، مبتسمةً لفشلٍ ستحقّقهُ ككلّ مرّة ، ليسَت من أصحاب الأقلام الرّفيعة ، وما امتحانُ التّعبير لديها إلا تصفيفاً لما تعرفُ من كلمات ضمنَ علامات الترقيم وحركات اللّغة ! - الموضوع الأول : رسالة من سيارة إسعاف ملّت القتلَ والدّمار ورائحة الدّماء ، توججها إلى الأمّة الإسلاميّة مع مراعاة جميع عناصر فنّ الرّسالـة . - الموضوع الثّاني : قصة قصيـرة تحتَ عنوان ( ربيعُ النّور ) . - الموضوع الثالث : مقالة بعنوان ( كيفَ أنتمي إلى وطني ) الفرق بين العنصريّة والمواطنة الصّالحة . أمسكَت القلم .. " أيّهم تراني سأختار ؟ " إيه يا معلّمتي ، وأيّ رسالة تلكَ التي تطلبين ! أوما علمتِ أنّ سيارة الإسعاف يوماً لا تملّ .. ؟ وأنّ القتلَ والدّمار معان ٍ لا تُسطّر بحبر قلم ، ولا يكفيها ساعة امتحان ! معلّمتي .. إنهم لاينتظرونَ مني كلماتٍ أنمقها لأجل العلامة ، ولا أحرف أراعي فيها العناصرَ والمعايير لترضيكِ أنتِ فقط ! أعتقدُ أنني لن أكتبَ إلا بعد تجربة ( سائق سيارة إسعاف ) حتى أعرف تماماً ما يمكن أن يجولَ في الخاطر .. ولم يكن الكاتب يوماً مترجماً لسوى مشاعرَ يعيشُها بنفسه .. ربيعُ النور .. أم نورُ الرّبيع ؟ أقصدتِ الشّمسَ التي تطلعُ علينا كلّ يوم لتنيرَ بأشعّتها الذهبيّة الفضا ..؟ أم قصدتِ لون الزّهور المنعش ، يكسوه نسيمٌ عليل وترنيمٌ هادئ لعصافير الصّباح وهديل القمر ؟ أأكتبُ قصّة عن عالم ٍ ورديّ ..؟ أم أنني لو كتبتُ عن عطاء الشّمس وكرمها ، عن لونها ، عن بهجتها التي ترسمُ لربيع بين حبّات المطر سيكونُ أفضل ؟؟ تمتمَت بهدوء : ربّما يكونُ الخيارُ الثالث هو .. الحل مقالة تحتَ عنوان ( كيف أنتمي إلى وطني ) ويحلّقُ القلبُ بعيداًُ .. إلى موطنها الأوّل .. إلى حيثُ تحلمُ كلّ يوم بالرجوع إليه ، وتبتهلُ كل ليلة أن ربّ لاتحرمني ظلالاً ورافة وقطوفاً دانية ربّ .. وتخنقهـا العَبرة هنا في كلّ مرة .. أن ربّ .. " لاتحرمني الجنــّة " أفاقت لتعودَ إلى ورقة امتحانها الفارغة ، ثمّ أمسكت قلمها لتخطّ في ما تبقـّى من دقائق : عذراً معلمتي .. لم أستطع أن الوّن هذه الصفحة بأيّ لون سوى الاعتذار ! لم أجد بين طيّات اختياراتكِ شيئاً سوى العمل ، أحسستُ الحياة تناديني بما فيها من ألم وقسوة وربيع ، بما فيها من دمعة مسكينة وبسمة هاربة شعرتُ في هذه الساعة التي امتزجت بها روحي مع كلّ المشاعر التي تتوقعين أنّ الحروف الصادقة لا تُنقَش تحت عناوين ومعايير ، وأنها لن تتحلّى بالجمال إن كان هدفهـا ( قليل من الحبر الأحمر ) وأنها لن تكونَ حروفاً إذا ما استطعتُ أن أكونَ أنا نقاطها ، وخطوطهـا .. أعترفُ بأنني دفة التعبير يوماً لم أقُد ، وأن حبري يأبى أن يجفّ على أوراق امتحان ٍ لا تقدّر ثمنه ! فعذراً معلّمتـي .. عذراً مدى الأيّـام عذرا |