1 لله در الشهــــداء الأحد يونيو 26, 2011 12:02 am
بياض الثلج
المشرفةالحمدُ لله واهبِ الفضل والنِّعم، والصلاة والسلام على خيرِ مَن استنهض في سبيلِ الله الهِمم، وعلى صحْبه وآله أفضل مَن سار لأعلى القِمم
.
الله أكبر، أوَّل كلمة ينطقُها اللسان ببشرى انتصار الشهيد.
الله أكبر، جملة رنَّانة تعبِّر عن أقصى السعادة في قلوبنا لما ناله الشهيدُ مِن عزٍّ وتمكين.
الله أكبر، رغمَ الحُزن لفقده، والألَم برحيله، ولكن العزاء دومًا بخير اللقاء - بإذن الله - في جنان الخُلد.
لله درُّ الشهداء:
هم أعْلى الناس مرتبةً أحياءً وأمواتًا.
عاشوا وهم يرَوْن أماكنهم العُليا ماثلةً قَبل بلوغها.
فيهون المسير، وتُذلَّل كلُّ الصِّعاب، وتموت صيحاتُ المخذِّلين.
عاشوا وهم حالمون نحوَ الأفق البعيد بمستقبل مشرِق نتيجته: "النصر المحقَّق أو الشهادة".
عاشوا تحفُّهم العزَّة في قلوبهم ومجتمعاتهم، ولهم التوقيرُ السامي في قلوب أعدائهم قبلَ بني جِلدتهم.
فهم عاشوا لقضيةٍ بأرواح الملوك الحرَّة، وماتوا عليها.
كانتْ - وما زالت - تتكالَب عليهم أصنافُ الصِّعاب، في زمن قلَّ معه النصيرُ والمعين، وكثرتْ فيه التهم والأباطيل، وقويتْ شوكةُ الضعيف والمخذِّل، وسلطت سهام النعيق وسطوة الظالمين، ومع ذلك تراهم جبالاً تَمشي على الأرض، تعلوهم العِزَّة، وتكسوهم المهابَة:
يَا جَاحِدًا لِلْحَقِّ رَغْمَ وُضُوحِهِ --- فَبِأَرْضِكُمْ رُكْنُ الْعَدَالَةِ قَدْ حُطِمْ
هَلاَّ أَقَمْتَ لِمَا افْتَريْتَ دَليلَهُ --- إِنَّ الدَّليلَ لِكُلِّ قَوْلٍ يُلْتَزَمْ
إنهم قومٌ درسوا العزَّة للناس في أبْهى معانيها، "قولاً وعملاً"، إنهم شهداءُ اليوم.
ومجاهِدو الأمس.
خبروا التاريخ عن سلسلةِ الشهداء العطِرة، بدءًا مِن الرعيل الأوَّل، وإلى مَن تشبَّه بهم وسعَى في طريقهم مِن أبناء اليوم.
عطِّروا مجالسكم بذِكرهم، وأحيوا قلوبكم بفعالهم، وأعْمِلوا عقولكم بمصيرهم.
كيف عاشوا، كيف سادوا، كيف سطروا تاريخَهم بمداد الذَّهَب، وكيف استشهدوا، ولأجْل ماذا زمْجَروا، وأرعبوا، وانتصروا، إنْ لم يكن بنصر تمثل أمامَ أعينهم، فبشهادة رغِبوا أن ينالوها ألفَ مرَّة.
قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما مِن أحدٍ مِن أهل الجنة يسرُّه أن يرجع إلى الدنيا غير الشهيد، فإنَّه يحبُّ أن يرجِعَ إلى الدنيا يقول: حتى أُقتَلَ عشرَ مرَّات في سبيلِ الله، ممَّا يرَى ممَّا أعطاه مِن الكرامة))[1].
تبكيهم جموعُ الأمَّة عندما يخرجون من دُنياهم كحبَّات لؤلؤ، تفلت مِن نظمه واحدًا تلوَ الآخَر، شاعرين بهولِ الخسارة التي سيُحدِثها فراغهم.
لكنَّهم مع ذلك خرَجوا ولم يتركوها هملاً، بل أعدُّوا الكثيرَ مِن الرجال على أشكالهم.
الذين سيحولون الحزنَ بفقدهم فرحًا بولادتهم بالتخلُّق بفِعالهم، والسَّيْر على منهجهم؛ إعلاءً لكلمة الله، ونُصرةً للدِّين والأمَّة.
نعم إنهم الشهداء!
إنهم شامَة العزِّ التي تجمّل بها جبين الأمَّة برهةً مِن الزمان.
ثم رحلوا ليتركوا لنا سيرةً عطرة، هي التاج المرصَّع بياقوت الإباء، والذي مكانه الرأس فخرًا ولا غير.
أبطالنا وتاج رؤوسنا:
فهنيئًا لكم الشهادة، هنيئًا لكم المجْد، وهنيئًا لكم العِزَّة.
تهنئة تنثرُها في سمائنا جميعُ زهور الأرْض بهجةً وحبورًا بما سينالُكم بحول الله مِن نعيم سرمدي.
قال تعالى: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران: 169].
يَكفي شهداءَنا البواسل: تشريفُ الله تعالى لهم بهذه الشهادة، واصطفاؤهم من خلقه، ورفعة القدْر أحياءً وأمواتًا، والنعيم السرمدي الذي يجبُر الله تعالى به قلوبَ الأمهات المعِدَّات للرِّجال، وصانعات الأبطال.
عن أنس - رضي الله عنه - قال: أُصيب حارثة يومَ بدر وهو غلامٌ، فجاءت أمُّه إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقالت: يا رسولَ الله، قد عرفتَ منزلةَ حارثة منِّي، فإنْ يكن في الجنة أصْبِر وأحتسب، وإنْ تك الأخرى ترَى ما أصنع؟ فقال: ((ويحَك! أوهبلت؟ أوجنَّة واحِدة هي؟! إنها جِنانٌ كثيرة، وإنَّه في جنَّة الفردوس))[2].
فيا أمتي لا تحزني، وليشفين الله تعالى صدورنا بيوم يعرف الأعادي والبغاة فيه قدرهم ومآلهم المحتوم، ولترفعن رايات النصر مرفرفة في أرجاء الكون، وعد الله المتين طالما تحققت النصرة الحقة لله تعالى في النفس والأمة.
لَعَمْرُكَ هَذَا مَمَاتُ الرِّجَالِ --- وَمَنْ رَامَ مَوْتًا شَرِيفًا فَذَا
فالله أكبر يا معاشرَ الشهداء! طبتم أحياءً وأمواتًا، أدَّيْتُم الأمانة، ونصحتم الأمَّة، وجاهدتم في الله حقَّ جهاده - كذا نحسبكم - فاللهَ نسأل أن يُعلي منازلَكم، ويَجزي أمهاتِكم، ويجبر أراملَكم، ويحسنَ نشءَ أبنائكم، ويعوِّض الأمَّةَ في فقدِكم خيرًا، ويخرج الأبطال بما صنعتْه أيديكم.
عذرًا لكم أيها الأبطال، مهما كتبْنا جميعًا تظلُّ حروفنا عاجزةً عن إيفائكم الحقَّ، وتستطير أروع الأمجاد التي أهديتموها لنا شامخةً، تتناقلها الأمَّة جيلاً بعدَ جِيل.
سَأَثْأَرُ لَكِنْ لِرَبٍّ وَدِينْ --- وَأَمْضِي عَلَى سُنَّتِي فِي يَقِينْ
فَإِمَّا إِلَى النَّصْرِ فَوْقَ الأَنَامْ --- وَإِمَّا إِلَى اللَّهِ فِي الخَالِدِينْ
--------------------------
[1] رواه الترمذي، وقال أبو عيسى: حديث حسن صحيح.
[2] رواه البخاري.