1 ,,ليلة القدر والعشر الاواخر من رمضان,, الأحد يوليو 24, 2011 1:22 am
نسيم الشرق
عضو فعالبســــم اللـــــه الرحمـــــن الرحيـــــــم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلي وسلم على الحبيب المصطفى وعلى الـه وصحبـه أجمعيـــن
ليلة القدر والعشر الأواخر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
حبيبي في الله..
ها قد بلغنا آخر المحطات، وآن أوان الجد والاجتهاد، إننا في مرحلة {وَسَارِعُواْ} [سورة آل عمران: 133] و{سَابِقُوا} [سورة الحديد: 21] فأخرج كل ما بوسعك من جهد فالغنيمة عظيمة، والثمرة تستحق بذل الغالي والنفيس للحصول عليها، الثمرة هذه المرة (ليلة القدر) {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [سورة القدر: 2-5].
اجتهد أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قبل موته اجتهادًا شديدًا، فقيل له: "لو أمسكت أو رفقت بنفسك بعض الرفق؟"، فقال: "إنَّ الخيل إذا أُرسلت فقاربت رأس مجراها أخرجت جميع ما عندها".
فجدَّ واجتهد، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله [متفق عليه]، وكانت أمنا عائشة تقول: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيره" [رواه مسلم]، فإياك أن تكون من المحرومين...
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الشهر قد حضركم، و فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كله، و لا يحرم خيرها إلا محروم» *[الراوي: سعيد المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 2247- خلاصة الدرجة: حسن].
وكيف لا يُحرم الخير كله؟ وهي أعظم ليالي الدهر، ليلة مباركة العمل فيها يضاعف أكثر من العمل في ألف شهر، ليلة تضيق فيها الأرض من كثرة الملائكة، ليلة الشرف من تحرَّاها صارت له المنزلة عند الله، ليلة يباهي الله فيها الملائكة بعباده الصالحين، و فيها يقدر الله تعالى لملائكته جميع ما ينبغي أن يجري على أيديهم من تدبير بني آدم ومحياهم ومماتهم إلى ليلة القدر من السنة القابلة، وهي ليلة سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا ولا يحدث فيها أذى، وهي سبب للسلامة والنجاة من المهالك يوم القيامة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» [متفق عليه].
حبيبي في الله...
وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريها في أوتار العشر الأواخر من رمضان، وكان سلفنا الصالح يحتاطون فيتلمسون ليلة القدر في جميع ليال العشر.
والصحيح في علامتها، أنْ تشرق الشمس يومها لا شعاع لها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «ليلة القدر ليلة سمحة، طلقة، لا حارة و لا باردة، تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء» [الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 5475- خلاصة الدرجة: صحيح].
وكان صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان وفي العام الذي قبض فيه صلى الله عليه وسلم اعتكف عشرين يوماً طلبًا لهذه المنحة الربانية العظيمة، فالمقصود من الاعتكاف: تحري ليلة القدر، و الخلوة بالله عز وجل، والانقطاع عن الناس ما أمكن حتى يتم الأنس بالله عز وجل وذكره، وإصلاح القلب، فإذا كان بإمكانك الاعتكاف فلا تدعه فإنَّه سنة مؤكدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن لم يكن بإمكانك فلا أقل من المكث طيلة الليل في المسجد للصلاة والذكر والدعاء، فعساك توفق لليلة القدر فتجدك الملائكة مقيمًا على طاعة في بيت من بيوت الله، وهذا –لا ريب – أدعى للرحمة.
نصائح العشر:
(1)لا نوم في ليالي العشر:
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحيي ليالي العشر وهذا بالتهجد فيها والصلاة.
(2)أعن الأهل على العمل الصالح:
ففي حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قام بهم ليلة ثلاث وعشرين، وخمس وعشرين ذكر أنه دعا أهله ونساءه ليلة سبع وعشرين خاصة، وهذا يدل على انه يتأكد إيقاظهم في أكد الأوتار التي ترجى فيها ليلة القدر.
قال سفيان الثوري: "أحب إلي إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل ويجتهد فيه، وينهض أهله وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك".
(3)أكثر من الدعاء فيها:
فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين عائشة بالدعاء فيها. قالت عائشة - رضي الله عنها - للنبي صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أدعو؟"، قال تقولين: «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» [الراوي: عائشة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 3119- خلاصة الدرجة: صحيح].
وكان سفيان الثوري يقول: الدعاء في تلك الليلة أحبُّ إليَّ من الصلاة، و إذا كان يقرأ، وهو يدعو، ويرغب إلى الله في الدعاء والمسألة لعله يوافق. فكثرة الدعاء أفضل من الصلاة التي لا يكثر فيها الدعاء، وإن قرأ ودعا كان حسناً".
(4)تطهير الظاهر والباطن:
فقد كان السلف يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر، ومنهم من كان يغتسل ويتطيب في الليالي التي تكون أرجى لليلة القدر، فلا يصلح لمناجاة الملك في الخلوات إلا من زين ظاهره و باطنه.
(5)ليلها كنهارها لا تغفل عن ذلك:
فقد ذهب بعض السلف إلى اعتبار ليلة القدر كنهارها في لزوم الاجتهاد في العمل الصالح.
قال الإمام الشافعي: "استحب أن يكون اجتهاده في نهارها كاجتهاده في ليلها". وهذا يقتضي استحباب الاجتهاد في جميع زمان العشر الأواخر ليله ونهاره.
(6) من أشرف العبادات التي تتقرب إلى الله بها في هذا الوقت "التبتل" أي الانقطاع إلى الله:
قال تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً} [المزمل: 8-9] ففرِّغ قلبك له، فلا جدال، لا مناقشات، لا اختلاط فاحش، أغلق الهاتف، وانس همومك، ودع مشاغلك، عليك بالانفراد بنفسك والتحلي بمناجاة ربك وذكره ودعائه.
(7) تحسس قلبك:
راقب نيتك، فنية المرء خير من عمله، فاحتسب وتقرب.
(8) تذكر أنه على قدر اجتهادك ستكون منزلتك:
فلا تدع بابًا للخير إلا طرقته، وتنوع الطاعات علاج لطبيعة الملل عند الإنسان.
(9) عليك بالمجاهدة والمعاناة مع الصبر والاصطبار:
قال بعضهم: "من أراد أن تواتيه نفسه على الخير عفواً فسينتظر طويلاً بل لابد من حمل النفس على الخير قهراً".
(10) قلل من كلامك:
فأحصِ عدد كلماتك في اليوم والليلة فعليك بهذه الأمور، فعليك بالصمت، فمن صمت نجا.
(11) تذكر هذا زمان السباق، فلا ترضَ بالخسارة والدون: قال أحدهم: لو أنَّ رجلاً سمع برجل هو أطوع لله منه فمات ذلك الرجل غمَّا ما كان ذلك بكثير، فهل ترضى بهذا الحرمان، يفوز الناس بالمغفرة والرحمة والعتق وتضاعف أعمالهم، ويبغون الجنة، وأنت في مكانك كبلتك الخطايا"، لا.. لا يمكن أن ترضى، لذلك ستجتهد حتمًا بإذن الله.
(12) أحسن الظن بالله:
فلو فاتك شيء قم واستدرك لعلك تعوضه، فإنَّه يمنع الجود سوء الظن بالمعبود، ولو أحسنت الظن بالله ستحسنُ العمل، لأنك ستحبه حبًا عميقًا. اللهم نسألك حبَّك، وحبَّ من يحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبِّك.
(13) لتكن لك عبادات في السر، لا يطلع عليها إلا الله، فهذا أدعى للإخلاص.
قال صلى الله عليه وسلم: «صلاة الرجل تطوعا حيث لا يراه الناس تعدل صلاته على أعين الناس خمسا وعشرين» [الراوي: صهيب المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 7/423- خلاصة الدرجة: [فيه] أبو صهيب وأبوه لم أعرفهم].
(14) اجمع بين الكم والكيف:
نريد أعمالًا ضخمة فذة كبيرة، لم تصنعها في عمرك، هذا العام ستقوم بها، نعم ستقوم بها، فهي علامة صدقك في طلب رضا الآخرة، وابتغائك ما عنده من الخير العميم، ولن ترضى عن نفسك حتى تصنع أقصى ما تستطيع، وبعدها ستقول: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.
أعمال فذة مقترحة للمجتهدين:
ترددت كثيرًا في كتابة هذه الأعمال، لأنَّ كثيرًا من الناس يقول: إنه يستبعد وجودها في زماننا، وأنه كلام يصلح لعصر السلف، وأنه يُحبط عند سماع ذلك، لكن الذي دفعنني إليه، أنّه بفضل الله هناك إخوة وأخوات أشعلوا الحماس فينا جميعًا، استجابوا للبرنامج العملي الذي اقترحناه هذا العام، فهناك – والله الذي لا إله غيره - من ختم القرآن في ركعة الوتر، ومن صلى (300) ركعة، ومن استغفر (20) ألف مرة، هؤلاء لماذا يسبقوك؟ هؤلاء نحسبهم صدقوا الله وأخلصوا – والله حسيبهم ولا نزكي على الله أحدًا – فأنا أهدي هذه الأعمال الفذة لهم ولكل من يريد أن يلحق بهم، هؤلاء نفذوا الوصية ورفعوا الشعار (لأرين الله ما أصنع) – (لن يسبقني إلى الله أحد) (وعجلت إليك ربي لترضى) فهيا الحق بهم ولا تفتر، ولا تثبط، هؤلاء كلهم في أول الطريق، فانظر كيف بلغوا، وأنت أيضًا ستبلغ ذلك وأكثر بإذن الله.
(1) لماذا لا تختم القرآن كل ليلة؟
كما صنعها عثمان وتميم الداري - رضي الله عنهما - في ركعة الوتر، وقرأ منصور بن زاذان القرآن كله في صلاة الضحى، وكان الأسود النخعي وسعيد بن جبير يختم القرآن في كل ليلتين، وفي مصر بعض المشايخ يصنع ذلك رأيته بعيني رأسي، كان قتادة يختم في سبع، وفي رمضان في ثلاث، وفي العشر كل ليلة، وكان الحافظ ابن عساكر يختم كل جمعة، وفي رمضان كل يوم، وكان الإمام أبو حنيفة والإمام الشافعي يختمان القرآن في كل يوم مرتين، وبلغ بالعبد الصالح أبو العباس بن عطاء أن ختم القرآن في اليوم والليلة ثلاث مرات، وختم الإمام الضبي القرآن أربع مرات في يوم واحد.
(2) لماذا لا تسجد وتقترب؟
سجد سفيان الثوري سجدة بعد صلاة المغرب فما رفعها إلا على آذان العشاء، وكان أبو جعفر الباقر يصلي كل يوم (50) ركعة، وكان عبد الله بن غالب يصلي الضحى (100) ركعة ويقول لهذا خلقنا وبهذا أمرنا، وكان مُرة بن شراحيل الملقب ب (مرة الخير) يصلي كل يوم (200) ركعة، وكان الإمام أحمد يصلي كل يوم وليلة (300) ركعة، وكان الأسود بن يزيد يصلي كل يوم (700) ركعة، وكان عمير بن هانئ يصلي كل يوم (ألف) ركعة ويسبح 100 ألف تسبيحة، وكان بلال بن سعد من العبادة على شيء لم يسمع في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، كان يصلي كل يوم وليلة (ألف) ركعة.
(3) لماذا لا تكون من الذاكرين الله كثيرًا؟
كان أبو هريرة - رضي الله عنه - يسبح ويستغفر في اليوم (12 ألف مرة) - وهذه صنعها الإخوة كثيرًا هذا العام والعام السابق -، وكان خالد بن معدان يسبح (40 ألف تسبيحة) حتى مات وأصبعه على عقد التسبيح، وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يسبح (100ألف مرة).
(4) الصيام والإفطار على التمر والماء:
كما كان الحبيب صلى الله عليه وسلم شهرين لا يوقد في بيته النار ولا يطعم إلا التمر والماء، وهذا الإمام أحمد يقول ابنه صالح: "جعل أبي يواصل الصوم، ويفطر في كل ثلاث على تمر شهرين، فمكث بذلك خمسة عشر يومًا، يفطر في كل ثلاث، ثمَّ جعل بعد ذلك يُفطر ليلة وليلة، لا يفطر إلا على رغيف".
(5) صدقة عظيمة بشيء عزيز على نفسك:
فلن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون، رسول الله يتألف الرجل بغنم بين جبلين (ثروة بالملايين الآن)، وأبو بكر - رضي الله عنه - يتصدق بماله كله، وعمر - رضي الله عنه - بشطر ماله، وأتي بـ (22 ألف درهم) فما قام من مجلسه حتى فرقها وكان إذا أعجبه المال تصدق به، وعثمان يجهز الجيش بعشرة آلاف درهم ويشتري البئر ليشرب المسلمين بـ (40 ألف درهم) ويقول له النبي: ما ضرَّ عثمان ما فعل بعد اليوم، وباع عبد الرحمن بن عوف – رضي الله عنه – حديقة ب (400 ألف) وقسَّمها في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وطلحة بن عبيد الله يتصدق في يوم ب (700 ألف)، فمن منا سيسبق في هذا الميدان ويتصدق بشيء نفيس عليه؟
(6) من سيربح ثواب العمرة في رمضان؟
وهناك يعكف على الصلاة والذكر والقرآن والطواف، فيطوف ليلة كاملة، يظل الساعات يطوف حول بيت ربه، كان محمد بن طارق يطوف كل يوم سبعين مرة، كل مرة سبعة أشواط.
(7) من ينشر الخير ويدعو إلى الله؟
من سيستعمله الله ويجعله من خدام دينه؟ من سيفتح الله على يديه هداية قومه وأهل بيته وجيرانه بفضل إخلاصه وصدقه؟، وزِّع أكثر ما تستطيع من الكتيبات النافعة والمطويات والأشرطة التي تحث الناس على عمل الخير، واحتسب أعمالهم في ميزان حسناتك، فالدال على الخير كفاعله، فمن سيحقق الرقم القياسي في ذلك، فتكتب له أعمال آلاف البشر؟
وبعد هذه أعمال فذة تريد رجالا أصحاب همم عالية، أنت منهم إن شاء الله، لا تستثقل العمل، فقط استعن بالله، وانهض وقل: لأرين الله ما أصنع، ستصل بحوله وقوته، بفضله ورحمته، لا بإمكانياتك، لا بتصوراتك لقدراتك، ستكون سنة الخير علينا جميعًا، ونزرق بإذن الله ليلة القدر، فأخلصوا لله واصدقوا في طلب رضاه، وستبلغون مما يرضيه الآمال، فاللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عنا.
محبكم في الله:
هاني حلمي
نقلا عن موقع منهج للشيخ هاني حلمي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
ليلة القدر
الحمد لله رب العالمين، مفضل الأماكن والأزمان على بعضها بعضاً، الذي أنزل القرآن في الليلة المباركة، والصلاة والسلام على من شد المئزر في تلك الليالي العظيمة المباركة، نبينا محمد وعلى آله وصحبه الغر الميامين.. أما بعد:
لقد اختصّ الله تبارك وتعالى هذه الأمة المحمدية على غيرها من الأمم بخصائص، وفضّلها على غيرها من الأمم بأن أرسل إليها الرسل والأنبياء وخاتمهم وآخرهم، وجعلها خير الأمم قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110].
وقد أنزل لهذه الأمة الكتاب المبين، والصراط المستقيم، كتاب الله العظيم، كلام رب العالمين، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]. وقال تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42].
فقد أنزل الله عز وجل القرآن الكريم في ليلة مباركة هي خير الليالي، ليلة اختصها الله عز وجل من بين الليالي، ليلة العبادة فيها هي خير من عبادة ألف شهر، وهي ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر.. ألا وهي ليلة القدر مبيناً لنا إياها في سورتين قال تعالى في سورة القدر: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ(5)} [القدر:1-5].
وقال تعالى في سورة الدخان: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)} [الدخان:3-4]، وسميت بليلة القدر لعظم قدرها وفضلها عند الله تبارك وتعالى، ولأنه يقدر فيها ما يكون في العام من الآجال والأرزاق وغير ذلك، كما قال تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان:4].
سبب تسميتها بليلة القدر
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في الشرح الممتع 6494 ما نصه: " أولاً: أنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة، فيكتب فيها ما سيجري في ذلك العام، وهذا من حكمة الله عز وجل وبيان اتقان صنعه وخلقه..
ثانياً: سميت ليلة القدر من القدر وهو الشرف كما تقول فلان ذو قدر عظيم، أي ذو شرف لقوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)} [القدر:2-3] وليلة خير من ألف شهر قدرها عظيم ولا شك.
ثالثاً: وقيل لأن للعبادة فيها قدر عظيم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» [متفق عليه]. وهذا لا يحصل إلا لهذه الليلة فقط، فلو أن الإنسان قام ليلة النصف من شعبان، أو ليلة النصف من رجب، أو ليلة النصف من أي شهر، أو في أية ليلة لم يحصل له هذا الأجر ".
وقال الشيخ رحمه الله تعالى: " إن الإنسان ينال أجرها وإن لم يعلم بها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً» ولم يكن عالماً بها، ولو كان العلم شرطاً في حصول هذا الثواب لبيّنه الرسول ". أ هـ.
علامات ليلة القدر
ذكر الشيخ بن عثيمين رحمه الله أن لليلة القدر علامات مقارنة وعلامات متابعة:
العلامات المقارنة
1- قوة الإضاءة والنور في تلك الليلة، وهذه العلامة في الوقت الحاضر لا يحس بها إلا من كان في البر بعيداً عن الأنوار.
2- زيادة النور في تلك الليلة.
3- الطمأنينة، أي طمأنينة القلب، وانشراح الصدر من المؤمن، فإنه يجد راحة وطمأنينة وانشراح صدر في تلك الليلة أكثر من مما يجده في بقية الليالي.
4- أن الرياح تكون فيها ساكنة أي لا تأتي فيها عواصف أو قواصف، بل يكون الجو مناسباً.
5- أنه قد يُري الله الإنسان الليلة في المنام، كما حصل ذلك لبعض الصحابة رضي الله عنهم.
6- أن الانسان يجد في القيام لذة أكثر مما في غيرها من الليالي.
العلامات اللاحقة
أن الشمس تطلع في صبيحتها ليس لها شعاع، صافية ليست كعادتها في بقية الأيام، ويدل لذلك حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنها تطلع يومئذ ٍ لا شعاع لها» [رواه مسلم].
وليلة رمضان ليلة مباركة، وهي في ليالي شهر رمضان، ويمكن التماسها في العشر الأواخر منه، وفي الأوتار خاصة، وأرجى ليلة يمكن أن تكون فيها هي ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان، فكان أبي بن كعب رضي الله عنه يقول: " والله إني لأعلم أي ليلة هي، هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها، وهي ليلة سبع وعشرين ". [مسلم].
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى ليلة القدر، ويأمر أصحابه بتحريها، وكان يوقظ أهله في ليالي العشر الأواخر من رمضان رجاء أن يدركوا ليلة القدر، وكان يشد المئزر وذلك كناية عن جده واجتهاده عليه الصلاة والسلام في العبادة في تلك الليالي، واعتزاله النساء فيها، وورد عن بعض السلف الاغتسال والتطيب في ليالي العشر تحرياً لليلة القدر التي شرفها الله ورفع قدرها.
ولهذا ينبغي أن يتحرها المؤمن في كل ليالي العشر عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: «التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان» [متفق عليه]، وقد أخفى الله عز وجل علمها حتى يجتهد الناس في العبادة في تلك الليالي، ويجدوا في طلبها بغية الحصول عليها، فيظنون أنها في كل ليلة، فترى الكثير من الناس في تلك الليالي المباركة بين ساجد وقائم وداع وباك، فاللهم وفقنا لقيام ليلة القدر، واجعلها لنا خيراً من ألف شهر، فالناس بقيامهم تلك الليالي يثابون بإذن الله تعالى على قيامهم كل ليلة، كيف لا وهم يرجون ليلة القدر أن تكون في كل ليلة، ولهذا كان من سنة النبي صلى الله عليه وسلم الاعتكاف في ليالي العشر من رمضان.
وليلة القدر لا تختص بليلة معينة في جميع الأعوام بل هي تنتقل، أي قد تكون في عام ليلة خمس وعشرين، وفي عام آخر ليلة ثلاث وعشرين وهكذا فهي غير ثابتة بليلة معينة في كل عام.
فضائل ليلة القدر
1 - أنها ليلة أنزل الله فيها القرآن، قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر:1].
2 - أنها ليلة مباركة، قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ} [الدخان:3] .
3 - يكتب الله تعالى فيها الآجال والأرزاق خلال العام، قال تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان:4].
4 - فضل العبادة فيها عن غيرها من الليالي، قال تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:3].
5 - تنزل الملائكة فيها إلى الأرض بالخير والبركة والرحمة والمغفرة، قال تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ} [القدر:4].
6 - ليلة خالية من الشر والأذى وتكثر فيها الطاعة وأعمال الخير والبر، وتكثر فيها السلامة من العذاب ولا يخلص الشيطان فيها إلى ما كان يخلص في غيرها فهي سلام كلها، قال تعالى: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر:5].
7 - فيها غفران للذنوب لمن قامها واحتسب في ذلك الأجر عند الله عز وجل، قال صلى الله عليه وسلم : «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» [متفق عليه].
فليلة هذه فضائلها وخصائصها وهباتها، ينبغي علينا أن نجتهد فيها ونكثر من الدعاء والاستغفار والأعمال الصالحة، فإنها فرصة العمر، والفرص لا تدوم، فأي فضل أعظم من هذا الفضل لمن وفقه الله، فاحرصوا رحمكم الله على طلب هذه الليلة واجتهدوا بالأعمال الصالحة لتفوزوا بثوابها فإن المحروم من حُرم الثواب، ومن تمر عليه مواسم المغفرة ويبقى محملا بذنوبه بسبب غفلته وإعراضه وعدم مبالاته فإنه محروم، أيها العاصي تب الى الله واسأله المغفرة فقد فتح لك باب التوبة، ودعاك إليها وجعل لك مواسم للخير تضاعف فيها الحسنات وتمحى فيها السيئات فخذ لنفسك بأسباب النجاة.
اللهم اجعلنا ممن وفق لقيام ليلة القدر، فأجزلت له المثوبة والأجر، وغفرت له الزلل والوزر، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أعلنا وما أسررنا، وما أنت أعلم به منا، برحمتك يا عزيز يا غفار، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
يحيى بن موسى الزهراني
دار ابن خزيمة
( موقع كلمات )
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
ليلــة القـــدر، خيــر مـن ألـف شهــر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد...
فمن فضائل هذه الأمة أن الله تعالى جعل لها مواسم للطاعات والأعمال الصالحات، ليتفضل عليهم بالرحمة والمغفرة والعتق من النيران، ومن هذه المواسم شهر رمضان، ومن أعظم فضائل شهر رمضان اشتماله على ليلة القدر التي باركها الله وشرفها على غيرها من الليالي. قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [سورة القدر].
قال الشيخ ابن عثيمين: "وفي هذه السورة فضائل متعددة لليلة القدر:
الفضيلة الأولى: أن الله أنزل فيها القرآن الذي به هداية البشر وسعادتهم في الدنيا والآخرة.
الفضيلة الثانية: ما يدلُ عليه الاستفهام المن التفخيم والتعظيم في قوله {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} [سورة القدر: 2].
الفضيلة الثالثة: أنها خير من ألف شهر.
الفضيلة الرابعة: أن الملائكة تنزل فيه، وهم لا ينزلون إلا بالخير والبركة والرحمة.
الفضيلة الخامسة: أنها سلام، لكثرة السلامة فيها من العقاب والعذاب.
الفضيلة السادسة: أن الله أنزل في فضلها سورة كاملة تتلى على يوم القيامة".
ومن فضائل ليلة القدر: ما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» [متفق عليه]، فقوله "إيماناً واحتساباً" يعني إيماناً بالله، وبما أعد الله من الثواب للقائمين فيها، واحتساباً للأجر وطلب الثواب.
وليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان» [متفق عليه].
وهي في الأوتار أقرب من الأشفاع لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان» [رواه البخاري].
وهي في السبع الأواخر أقرب لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضعف أحدكم أو عجز، فلا يُغلبن على السبع البواقي» [رواه مسلم].
ولا تختص ليلة القدر بليلة معينة في جميع الأعوام، بل تتنقل، فتكون في عام ليلة السبع والعشرين مثلاً، وفي عام آخر ليلة خمس وعشرين، تبعاً لمشيئة الله وحكمته، ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «التمسوها في تاسعة تبقى، وفي سابعة تبقى، وفي خامسة تبقى» [رواه البخاري].
وقد أخفى الله سبحانه وتعالى علمها على العباد رحمة بهم، ليكثر عملهم في طلبها في تلك الليالي الفاضلة بالصلاة والذكر والدعاء، فيزدادوا قربة من الله وثواباً، وأخفاها اختباراً لهم أيضاً، ليتبين بذلك من كان جاداً في طلبها حريصاً عليها من كان ممن كان كسلان متهاوناً (مجالس شهر رمضان).
فأين المشمرون لهذه الأجور والأرباح؟
أين الراغبون في الهدى والفلاح؟
أين الخاطبون للحور الملاح؟
إعداد
القسم العلمي بمدار الوطن للنشر
مدار الوطن
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
ليلة بـ 83 سنة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه».
ونتفيء من هذا الحديث:
أنّ الاسلام ليس شكليات ظاهرية، ومن ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في القيام في هذه الليلة: أن يكون «ايمانا واحتسابا» .
ولهذه الليلة فضائل ومزايا منها:
1- أنّ الله أنزل فيها القرآن.
2- تعظيم الله عزوجل لها بقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} [القدر:2].
3- أنّ هذه الليلة خير من ألف شهر، أي خير مما يزيد على 83سنة.
4- تتنزل الملائكة فيها، وهي لا تنزل إلّا بالخير والبركة والرحمة.
5- أنّها سلام لكثرة السلامة فيها من العقاب والعذاب، بما يقوم به العبد من الطاعة لله عزوجل.
6- أنّ الله أنزل في فضلها سورة كاملة تتلى إلى يوم القيامة.
سلسلة العلامتين
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
فضائل العشر الأخيرة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله الذي أراد بنا اليسر، وجعل رمضان شهر الصبر، واختار منه ليالي العشر، وفضلها بليلة القدر، وجعلها خيراً من ألف شهر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بيده الأمر، ضاعف الأجر وغفر الوزر.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الإمام البدر، رفيع القدر، ومحفوظ العمر صلى الله عليه وسلم كلما اغتنمت الفضائل وحوربت الرزائل.
أما بعد:
فيا ايها المسلمون اتقوا الله الذي أمركم بالسبق إلى الخيرات، والمداومة على الطاعات، والتوبة من السيئات والسعي لرفع الدرجات وكرمكم على المخلوقات، قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } [آل عمران: 133]
وقال: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]
وقال: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31]
فاغتنموا الحياة قبل الموت، والعمل قبل الفوت، واربحوا الدنيا قبل الآخرة، والشباب قبل الهرم، والصحة قبل السقم واعلموا أن الربح في الإيمان وفي العمل الصالح، وفي التواصي بالحق والتواصي بالصبر، يقول الله تعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1-3]
والرابحون هم الذين فازوا بالمطلوب، ونجوا من المرهوب، وهم الذين طهروا القلوب، وستروا العيوب، وابتعدوا عن الذنوب، وهم الذين حفظوا أعمارهم، وحفظوا أعمالهم، وحفظوا جوارحهم وأحبوا لقاء الله فأحب الله لقاءهم.
وهم الذين عرفوا الأوقات الشريفة فاغتنموها، وإن من الأوقات الشريفة التي ينبغي ربحها، وحفظ أوقاتها وعمارة زمنها أيام العشر الأخيرة من رمضان، فهي خيار من خيار، وهي ميدان لتسابق الأخيار، وفيها يتميز الأبرار من الأشرار، والمتقون من الفجار، وهي عشر لها في الإسلام مكانة، وفي حياة الرسول صلى الله عليه وسلم مزيَّة، فمن مزاياها أنها عشر المساجد إذ تلازم فيها المساجد، وتعمر بالطاعة ويتحقق منها الرباط المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات»، قالوا: "بلى يا رسول الله"، قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط» [رواه مسلم].
وبالتعلق بها يظل الإنسان في ظل الله يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله»، وذكر منهم: «ورجل قلبه معلق بالمساجد» [رواه البخاري ومسلم].
والمساجد بيوت الله، وأكرم بها من بيوت، يقول صلى الله عليه وسلم: «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده» [رواه مسلم].
وأحب البقاع إلى الله المساجد، لأن فيها أحب العمل، وأحب القول، وأحب الزمن وأحب الخلق.
يقول صلى الله عليه وسلم: «أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها» [رواه مسلم]، وأهل المساجد هم أهل الإيمان يقول الله[/color]: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: 81]، وهم أهل العمل الصالح، يقول تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 36-37]
وهم أهل النور التام يوم القيامة، لأن الله تعالى ذكرها بعد آية النور في سورة النور، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة» [صححه الألباني].
والمساجد هي أماكن الذكر والقرآن والاستغفار والصلاة والدعوة والتعليم، فهي محاضن الخير والأخيار، يقول صلى الله عليه وسلم: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من القذر والبول والخلاء إنما هي لقراءة القرآن وذكر الله والصلاة» [الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 2268- خلاصة الدرجة: صحيح].
وقد يخسر بعض الناس هذه العشر:
فمن الناس من يجعلها عشر الأسواق طلباً في الدنيا، ونسي أن الدنيا متاع الغرور، وأنها ملعونة ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالماً ومتعلماً، وأنها لا تزن عند الله جناح بعوضة، فيكون همه المال وكسبه وليس همه الثواب والأجر.
ومن الناس من يجعلها عشر الضياع أو يضيعها في السفريات والتنزهات، فيكون همه بدنه وليس همه روحه.
ومن الناس من يجعلها عشر المعاصي بالعاكسات، وتتبع النساء في الطرقات والمشاهدات على الشاشات فيكون همه شهوته وانحرافه، وليس همه طاعته واستقامته.
وهذه العشر هي عشر نزول القرآن، يقول الله تعالى: {إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1]
ويقول صلى الله عليه وسلم: «أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست خلون من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان» [الراوي: واثلة بن الأسقع المحدث: الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 1/202- خلاصة الدرجة: فيه عمران بن داود القطان ضعفه يحيى ووثقه ابن حبان وقال أحمد أرجو أن يكون صالح الحديث وبقية رجاله ثقات].
ونزول القرآن فيها يدل على عظمتها، لأن القرآن عظيم، ويدل على بركتها، لأن القرآن مبارك، ويدل على أنه ينبغي إشغالها بالقرآن إذ هو أربح كلام، الحرف الواحد بعشر حسنات، قال صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفاً من القرآن فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول {ألم} حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف» [الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: الألباني - المصدر: أصل صفة الصلاة - الصفحة أو الرقم: 1/368- خلاصة الدرجة: على شرط مسلم].
وهو أحسن الحديث قال تعالى: {اللَّهُ نَـزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} [الزمر: 23]
وأهله هم أهل الله وخاصته، وخير الناس من تعلم القرآن وعلمه، وقد كان السلف يشغلون العشر بالقرآن، فمنهم من يختمه فيها عشرين مرة، ومنهم من يختمه فيها عشر مرات، ومنهم من يختمه فيها خمس مرات، والقليل من يختمه في أقل من ذلك.
وهذه العشر هي عشر ظهور الحق وزهوق الباطل إن الباطل كان زهوقاً، فيها دخل المسلمون مكة فاتحين، ومنها أظهر الله دين الإسلام على جميع الأديان ولو كره الكافرون.
ومنها أذل الله الكفر وأهله وفيها تطهرت الكعبة من الأصنام التي كانت في وسطها، ومن جميع جوانبها، فقد أخرج صنم هُبل من وسطها إلى غير رجعة، وأزيل ثلاثمائة صنم من حولها، وبقيت للتوحيد، ورفع الأذان من على ظهرها لتنتكس جميع الأوثان، ويعلو أهل الإيمان ويخسأ أهل العصيان.
وهذه العشر هي أفضل رمضان، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد فيها ما لا يجتهد في بقية رمضان، وتخصيصها يدل على فضلها، وهي آخر الشهر والأعمال بالخواتيم، وهي ثلثه الأخير، وقد فضل الله الثلث الأخير في عدة أزمان، ففضل الثلث الأخير من النهار إذ فيه صلاة العصر وهي الصلاة الوسطى، ومن صلاها مع الفجر دخل الجنة، ومن تركها حبط عمله، وفيها تجتمع ملائكة العبد الذين يحفظون عمله ويحفظون بدنه، وأمرالله بالذكر بعدها فقال تعالى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39]
وفضل الثلث الأخير من الليل إذ فيه ينزل الرب تعالى إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله، فيقول: «هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ حتى يطلع الفجر» [الراوي: جبير بن مطعم المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 8167- خلاصة الدرجة: صحيح].
وفضل الثلث الأخير من الأسبوع إذ فيه الخميس الذي كان يصومه صلى الله عليه وسلم ويسافر فيه، وفيه تعرض أعمال العبد على الرب تعالى، وفيه الجمعة الذي هو سيد الأيام، وهو خيريوم طلعت عليه الشمس.
فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أهبط منها، وفيه تقوم الساعة، وهو يوم السبق إلى الخيرات ويوم القربان.
وفضل الثلث الأخير من العام إذ فيه رمضان الذي صيامه الركن الرابع من أركان الإسلام، وفيه أشهر الحج.
وهذه العشر هي عشر ليلة القدر، وليلة القدر هي أفضل الليالي على الإطلاق، وسماها الله الليلة المباركة فقال: {إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان: 3]
وسماها ليلة القدر، لأن لها قدراً قال تعالى: {إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1]
وللعمل فيها قدرٌ، قال صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري].
وللعامل فيها قدرٌ إذ يغفر الله ما تقدم من ذنبه، وللثواب فيها قدرٌ إذ العمل فيها خير من العمل في ألف شهر قال تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3]
ومما يدل على فضلها أن الله سمى بها سورة في القرآن، وتردد ذكرها في سورتها ثلاث مرات، وعظمها بالاستفهام الذي يفيد التعظيم، قال تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ }.
وأذن للملائكة بالنزول فيها إلى الأرض وهم عباد مكرمون لا ينزلون إلا إلى طاعة، فهم ينزلون لمجالسن الذكر ولحفظ العمل وحفظ البدن وللصلاة وللجهاد ونحوها، وفيها ينزل جبريل الأمين عليه السلام، ونزوله يذكرنا بنزوله الأول في حراء وتردده بالقرآن في ثلاث وعشرين سنة، وصحبته للنبي صلى الله عليه وسلم.
وليلة القدر سلامٌ من العذاب، وسلامٌ من الآفات، وسلامٌ من الشيطان، وليلة القدر من رمضان وهي في العشر الأواخر يقول صلى الله عليه وسلم: «تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان» [رواه البخاري].
وهي في أوتار العشر تأكيد للحديث السابق، والأولى التماسها في كافة العشر، لأنها قد تكون في الأشفاع، لقوله صلى الله عليه وسلم: «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى» [رواه البخاري].
وهذه أشفاع لو كان الشهر ثلاثين يوماً، وأوتار لو كان تسعة وعشرين، والصحيح أن وقتها لا يعلم وأن الله أخفاها ليتنافس الناس في كافة العشر ويتسابقون ويجتهدون فيكثر أجرهم، ويغفر وزرهم.
وقد خرج صلى الله عليه وسلم يخبر الصحابة بليلة القدر فتخاصم وتنازع رجلان فرفعت والمطلوب لها العمل وليس المطلوب لها الرؤية، ولها علامات تعرف بها، منها أنها ليلة طلقة لا حارة ولا باردة، ومنها أنها ليلة بلجة، أي مضيئة، كأن القمر فيها ليلة البدر، ومنها أن الشمس تخرج من صبحتها ليس لها شعاع، ومنها أنه لا يرمى فيها بنجم.
وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في هذه العشر الاجتهاد فيها بشتى أنواع الطاعات قالت عائشة: «كان يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيرها» [الراوي: عائشة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 4910- خلاصة الدرجة: صحيح].
وهذه مزيَّة لها ينبغي الاقتداء به عملاً بقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]
وقوله صلى الله عليه وسلم:«كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى».
قالوا: "يا رسول الله، ومن يأبى؟"
قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى» [الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 7280- خلاصة الدرجة: [صحيح]].
ومن اجتهاده في العشر أنه كان يحيي الليل كله بالتهجد والقرآن والذكر والدعاء والاستغفار وهذا يدل على أنه كان يتفرغ للعبادة ويشتغل بها، ويعمل للآخرة ويعرض عن الدنيا.
ومن اجتهاده أنه كان يعتزل النساء ويشد مئزره ويجد في الطاعة، ولذا ينبغي أن يحفظ الليل في العشر الأواخر بكثرة التهجد وطول القيام، والركوع والسجود والقراءة والدعاء، فإن هذا دأب الصالحين قبلنا، ومرضاة لربنا ومغفرة لذنوبنا، ومطردة لداء الجسد.
وقد مدح الله أهل القيام فقال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ} [الزمر: 9]
ويقول تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 16-17]
ومدح الله أهل الجنة بقيام الليل فقال سبحانه: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 15-18]
وقد واظب صلى الله عليه وسلم على قيام الليل وداوم عليه، فصلى قائماً وصلى قاعداً، وكان إذا فاته قيام الليل بالليل صلى شفعاً بالنهار.
وقالت عائشة رضي الله عنها لرجل: "لا تدع قيام الليل فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدعه وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعداً".
وقالت:"إن قوماً يقولون لا نؤدي إلا الفرائض وإن الله لا يسألهم إلا عما افترض عليهم، ولكنهم قوم يخطئون بالليل والنهار وما أنتم إلا من نبيكم، وما نبيكم إلا منكم، ووالله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم قيام الليل".
ومن هديه صلى الله عليه وسلم في هذه العشر إيقاظ أهله للصلاة عملاً بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]
ومن المعلوم أن الرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، يقول صلى الله عليه وسلم: «والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته» [رواه البخاري].
وقد كان صلى الله عليه وسلم يوقظ نساءه، ويوقظ علياً وفاطمة، وكان عمر يوقظ أهله، وفي الحديث يقول: «رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء» [الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 1450- خلاصة الدرجة: حسن صحيح].
تقول عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا ليله وأيقظ أهله وجد وشد مئزره» [رواه مسلم].
ومن هديه صلى الله عليه وسلم في هذه العشر الاعتكاف وهو لزوم المسجد لطاعة الله وترك الأموال والأولاد والدنيا والتفرغ للطاعة.
وقد اعتكف صلى الله عليه وسلم العشر الأول ثم العشر الوسطى ثم العشر الأخيرة، وواظب على الاعتكاف ابتغاء رضوان الله تعالى، والاقتداء بالسنة، ومجاهدة النفس، والصبر على الطاعة، ومحبة المساجد، وتربية النفس على الحسنات، والبعد عن السيئات وسلامة القلب من سمومه، إذ يقل الكلام والنظر والسمع والصحبة والأكل والنوم، وأفضل الاعتكاف في المسجد الحرام، ثم المسجد النبوي، ثم الأقصى، ثم الجوامع التي تقام فيها الخطبة، ثم المساجد الأخرى، ويقبل المعتكف على الآخرة ويعرض عن الدنيا ولا يخرج من المسجد إلا لحاجة ماسة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فضيلة الشيخ
سعد بن سعيد الحجري
موقع وذكر الإسلامي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
فضل ليلة القدر
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
قد مضت سنة الله عز وجل في مخلوقاته أنه يختار ما يشاء، قال تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [القصص: 68]، فاختار من الشهر شهر رمضان، ومن ليالي الشهر ليالي العشر الأواخر، ومن هذه الليالي المفضلة ليلة القدر فهي خيار من خيار من خيار.
لماذا سميت ليلة القدر؟
1- لأن الله يقدر فيها الأرزاق وأمور العباد وتأخذ الملائكة صحائف الأقدار عاماً كاملاً من ليلة القدر إلى ليلة قدر أخرى، فلا يبقى جليل ولا حقير إلا كتب الله أمره عاماً كاملاً، قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ(3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 3-4] .
2- لأن الله أنزل فيها القرآن وهو أعظم ما يكون من الكتب قدراً.
3- لأن الإنسان يعظم قدره فيها إذا أحياها، لذلك قد تكتب السعادة لإنسان بعد إحيائها قال تعالى:
{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:3] إحياؤها أفضل من عبادة 84 عاما.
4- لأن الأرض تضيق والقدر هو التضييق كما قال تعالى: {وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق:7]، أي ضيق عليه لأن الأرض تضيق من كثرة الملائكة التي نزلت من السماء.
والصحيح أن كل ذلك واقع في ليلة القدر كما ثبت في النصوص.
ما هي الحكمة من إخفاء ليلة القدر وعدم معرفتها؟
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد أن يخبرنا بليلة القدر فتلاحا رجلان فقال: « إني خرجت وأنا أريد أن أخبركم بليلة القدر فتلاحا فلان وفلان لعل ذلك أن يكون خيرا، التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة» [مصنف بن أبي شيبة] ..
ما هذا الخير...
قال العلماء:
1- أنه لو علم الأخيار والأشرار لتسلط الأشرار على الناس بالدعاء.
2- ربما أنهم يسألوا فتن الدنيا التي تكون سببا في شقائهم في دنياهم وأخراهم.
3- بيان الصادق في طلبها من المتاكسل لأنّ الصادق في طلبها لا يهمه أن يتعب عشر ليالي من أجل أن يدركها.
4- كثرة ثواب المسلمين بكثرة الأعمال لأنّه كلما كثر العمل كثر الثواب.
في أي ليلة هي؟؟
يقول الشيخ محمد الشنقيطي: "اختلف العلماء رحمهم الله على أكثر من أربعين قول في تحديد ليلة القدر والسبب في ذلك ورود الأحاديث المختلفة عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحديدها، وتعارض الأثار عن الصحابة رضي الله عنهم.
والقول الأقوى أنّها في الوتر من العشر الأواخر لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «التمسوها في العشر الآواخر من رمضان ليلة القدر في تاسعة تبقى في سابعة تبقى في خامسة» [رواه البخاري].
ونقول كما علق الشيخ صالح اللحيدان: أن على الإنسان أن يجتهد العشر كلها لأنّه قد يكون حساب الشهر عندنا يختلف، فتكون ليلة 27 عندنا هي 28 والله أعلم ".
علامات ليلة القدر
لليلة القدر علامات.. والدليل قول عائشة رضي الله عنها: «قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ماذا أقول فيها؟ قال: قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» [رواه الترمذي].
قال العلماء هذا يدل أن لها علامات وإلّا لما قالت: أريتها!!
فما علاماتها؟ يقول الشيخ بن عثمين رحمه الله في الشرح الممتع:
علامات مقارنة
1- قوة الإضاءة في تلك الليلة وهذه العلامة لا يحس فيها بالمدن.
2- الطمأنينة أي طمأنينة القلب وإنشراح الصدر من المؤمن فإنّه يجد راحة وطمأنينة في هذه الليلة أكثر ما يجده في بقي